جاري تحميل ... تك نوتس عربي TechNotesArabic

إعلان في أعلي التدوينة


قرأت هذا المقال للكاتب أحمد القاروط وهو مختص في الاقتصاد السياسي العالمي، ومقدم برنامج مالنا ومالهم على اليوتيوب.
في هذا المقال يتحدث الكاتب عن عملة البيتكوين الإلكترونية وهل تتحول الى العملة الاحتياطية العالمية الجديدة؟ مناقشاً اسباب ارتفاع سعر العملة الإلكترونية ونظرة الحكومات والمستثمرين اليها ومستقبل البيتكوين .
المقال نشر في موقع صحيفة Politics Today باللغة الانجليزية وهذه هي ترجمة المقال كاملاً .

رابط المقال الأصلي باللغة الانجليزية تجدونه هنـا.
ورابط الصفحة الشخصية للكاتب على فيسبوك تجدونه هنـا .

هل ستصبح البيتكوين العملة الاحتياطية العالمية الجديدة؟


عندما ظهرت عملة البيتكوين لأول مرة في عام 2009، في أعقاب أكبر أزمة مالية حدثت في تاريخ البشرية في عام 2008، تعالت بعض الأصوات المشككة في جدواها والمطالبة بالتحري وراءها. وصل سعر البيتكوين اليوم إلى 47000 دولار بعدما ارتفع تدريجيًا من 5000 دولار، حينما ضرب إغلاق فيروس كورونا الاقتصاد العالمي في مارس 2020، إذ تضاعفت قيمته 10 مرات في أقل من عام. حيّر هذا الارتفاع الهائل في القيمة أذهان الكثيرين لا سيما المستثمرين والهيئات التنظيمية والمصرفيين.

إذن لماذا البيتكوين آخذ في الارتفاع؟


منذ الانهيار المالي في عام 2008، أثيرت تساؤلات حول مستقبل الدولار الأمريكي كعملة احتياطي عالمي. ووصف العديد من الاقتصاديين والممولين سياسة التيسير الكمي التي اعتمدها بنك الاحتياطي الفيدرالي بأنها معول هدم للامتياز الباهظ الذي يتمتع به الدولار الأمريكي ومكانته كعملة احتياطي عالمي. وبكل بساطة، لا أحد يرغب في ادخار ثروته واستثمارها في عملة تفقد قيمتها باستمرار بفعل التضخم، خاصة بعد الخسائر الجسيمة في الثروة التي لحقت بالعديد من البلدان والمستثمرين الذين ادخروا بعملة الدولار. بلغ متوسط معدل تضخم الدولار 1.64٪ سنويًا بين عامي 2007 وحتى اليوم، مما أدى إلى زيادة تراكمية في الأسعار بنسبة 25.63٪.
يحتاج المستثمرون الذين يتعين عليهم تحقيق أرباح لعملائهم إلى التحوط من تضخم الدولار. وهذا ما جعل المؤسسات الاستثمارية تتدافع نحو شراء عملة البيتكوين، حيث يرون فيها معيار الذهب في العصر الرقمي. إن العرض المحدود للعملة عند 21 مليون بيتكوين يعني أنها عملة مقاومة للتضخم. إذ تعمل ندرة البيتكوين كمحفز لزيادة الطلب عليها مما يرفع سعرها مقابل الدولار. لذلك نجد المؤسسات الاستثمارية، مثل مدراء الصناديق الاستثمارية لشركتي MicroStrategy و Guggenheim Partners، زادت من حصص محافظها الاستثمارية من البيتكوين وقدمت خدمات مالية مرتبطة بالبيتكوين لعملائها.
لا ينحصر التدافع نحو شراء البيتكوين في المؤسسات الاستثمارية فحسب، إذ يُبدي صغار المستثمرين بشكل متزايد اهتمامًا أكبر بها ويستخدمونها للتداول والتحوط من خسائر قد تلحق بمدخراتهم بالدولار جرّاء التضخم. سمحت شركات مثل PayPal و Square وVisa (أو على وشك السماح) لعملائها بالتعامل بعملة البيتكوين، من باب تعزيز حلول الدفع المقدمة لهم مما أدى إلى زيادة عدد صغار المستثمرين الذين يتعاملون بالبيتكوين.

إن التغييرات المستمرة في الاقتصاد العالمي هي إحدى أسباب ارتفاع البيتكوين أيضًا. فنظام بريتون وودز القائم على قاعدة ربط الدولار بالذهب، جعل الولايات المتحدة (التي كانت تمتلك 80٪ من احتياطي الذهب العالمي آنذاك) الاقتصاد الرائد في العالم. لكن في نهاية المطاف، وللحفاظ على الامتياز المالي، تراجع التصنيع في الاقتصاد الأمريكي وأصبح اقتصادًا قائمًا على الخدمات والتمويل. ومع صعود الصين كقوة اقتصادية منافسة، وبسبب المخاوف الأمنية المثارة حول سلامة سلاسل التوريد الخاصة بها، بدأت الولايات المتحدة في السعي نحو استعادة قدراتها التصنيعية المحلية، وسيساعد انخفاض قيمة الدولار في تحقيق هذا الهدف الاستراتيجي.

وبشكل عام، فإن الديناميكية الاقتصادية لعملة البيتكوين بسيطة. فكلما انخفضت قيمة الدولار الأمريكي، ارتفع سعر البيتكوين، والعكس صحيح. كما يساعد الطلب المتزايد المؤسسات الاستثمارية على حفظ أموالها، وزيادة أرباحها، والتكيف مع التغيرات التكنولوجية في أنظمة الدفع الرقمية باستخدام تقنيات مدعومة بتكنولوجيا بلوكتشين(blockchain) على غرار بيتكوين.

ولا يمكننا اعتبار الاقتصاد السبب الوحيد وراء ارتفاع سعر البيتكوين، إذ يلعب صراع القوى العالمي بين الصين والولايات المتحدة دورًا هو الآخر. ففي البداية، أشادت الحكومة الصينية بعملة البيتكوين وتكنولوجيا البلوكتشين التي تدعمها، واعتبرتها وسيلة لتقويض هيمنة الدولار. إلا أن المخاوف السياسية بشأن الاستخدام المحتمل لعملة البيتكوين من أجل تهريب رؤوس الأموال وتغيير ديناميكيات القوة والنفوذ بين الصينيين الأثرياء والدولة تقوض هذا الرأي. بالإضافة إلى ذلك، رأت الصين أن ارتفاع قيمة عملة البيتكوين يمثل فرصة لتحقيق هدفها الاستراتيجي المتمثل في أن تصبح أكثر قوة ونفوذًا في صناعة القرار في الاقتصاد العالمي.

لذلك حاولت الصين ممارسة الرقابة التنظيمية على امتلاك الصينيين لعملة البيتكوين من خلال حظر العملات المشفرة. إلا أن الإجراءات الصينية الصارمة لتقويض التعامل بالبيتكوين أفضت إلى ازدياد الاستثمار الصيني بالعملة، لأنها أثبتت مدى الحاجة إلى أصول غير خاضعة لسيطرة الحكومة. وتعد الصين اليوم لاعبًا مهيمنًا في تعدين البيتكوين، نظرًا إلى التكلفة الرخيصة للكهرباء ومعدات التعدين والأراضي. كما أن القيود المشددة التي تفرضها الصين على حركة رؤوس الأموال، جعلت من البيتكوين عملة مغرية للعديد من الصينيين الذين لا يستطيعون نقل أموالهم إلى الخارج. ونظرًا لعدم قدرة الصين على التغلب على عملة البيتكوين، فقد قررت أن تلعب لعبة البلوكتشين الخاصة بها.


لهذا إذن أعلنت الصين في أبريل 2020 عن عزمها إطلاق اليوان الرقمي الذي سيستخدم تكنولوجيا البلوكتشين. وجاءت هذه الخطوة للحفاظ على هيمنة الدولة الصينية على ثروة شعبها، وجني فوائد التكنولوجيا الجديدة بتقليل تكلفة المعاملات والوقت المستغرق في إنجازها، والحفاظ على القوة المحلية للحزب الشيوعي الصيني. على الصعيد العالمي، تهدف الصين من إطلاقها اليوان الرقمي إلى تقديم فرصة للحكومات الأجنبية للادخار والاستثمار في عملة أخرى غير الدولار. وسيساعد هذا، وفقًا لوجهة النظر الصينية، على تعزيز مكانة اليوان كعملة احتياطي عالمي. يجدر الذكر أن قيمة اليوان قد ارتفعت على مدى السنوات القليلة الماضية، وتواصل الصين تنفيذ سياسات تشجع على تدويلها.

فخلاصة القول إذن هي أن الصين سعيدة لفقدان الدولار من مكانته كعملة احتياطي عالمي، تستخدمها الولايات المتحدة لممارسة هيمنتها على مستوى العالم على مدى العقود السبعة الماضية. علاوة على ذلك، فإن عقل الصين منفتح على التغييرات التكنولوجية ويحاول تسخير تكنولوجيا البلوكتشين لتعزيز المكانة المالية العالمية لليوان، الأمر الذي يُتوقع أن يساعد الصين على تحقيق هدفها المتمثل في أن تصبح أكبر اقتصاد في العالم بحلول عام 2050، والمساهمة في إنجاح مبادرة الحزام والطريق.

من وجهة نظر الولايات المتحدة، يواصل بنك الاحتياطي الفيدرالي التلويح بسياسة التيسير الكمي من خلال إطلاق حزم تحفيز بتريليونات الدولارات. ففي عام 2020 فقط، تم ضخ 10 تريليونات دولار في الاقتصاد الأمريكي لتعويض الركود الاقتصادي الذي سببته جائحة كوفيد-19. كما وعدت إدارة بايدن بمزيد من حزم التحفيز وزيادة الحد الأدنى للأجور إلى 15 دولارًا، الأمر الذي يُتوقع أن يؤدي إلى تضخم الأسعار. لذلك، فإن كبار وصغار المستثمرين الأمريكيين والدوليين على حد سواء لا يثقون بشكل كبير في استعداد بنك الاحتياطي الفيدرالي لحماية قيمة الدولار.

هل مستقبل البيتكوين كله قاتم؟



بالطبع لا. على الرغم من الصورة الوردية التي يظهرها المتلهفون لاستخدام البيتكوين، فإن الموافقة الجماعية على اعتماد العملة متأخرة بفعل العديد من المخاوف المتعلقة بالتقلبات العالية في سعر البيتكوين وتأثير تعدين البيتكوين على البيئة. إلا أنه وعلى المدى الطويل، سيؤدي اعتماد المزيد من المؤسسات الاستثمارية وصغار المستثمرين للبيتكوين إلى استقرار سعره. كما سيصبح تعدين البيتكوين باستخدام الطاقة النظيفة أمرًا مجديًا.

من ناحية أخرى، فإن فرض ضرائب على حيازة البيتكوين هو مشكلة أخرى بسبب إخفاء هوية أصحابها. غير أن العديد من الحكومات توصلت إلى طرق لفرض ضرائب على من يحوزونها، وما زال العمل مستمرًا لتطوير آليات تحقيق ذلك. ومع أن فرض حظر محتمل على عملة البيتكوين من قبل الحكومات يثير قلق المؤسسات الاستثمارية وصغار المستثمرين المحتملين، تثبت الطبيعة اللامركزية لعملة البيتكوين أنها عصيّة على أي حظر حكومي متوقع. كما أن الحياد الجغرافي الذي تتمتع به العملة يعني أنها ستكون دائمًا قابلة للحركة وبالتالي ستحافظ على قيمتها.

إن الحكومات بحاجة إلى استعادة ثقة المستثمرين والناس لدفعهم نحو الاستمرار في استخدام العملات الوطنية والتخلي عن البيتكوين. ولا تزال محفزات تلك الثقة -مثل استقرار الأسعار- غير مرجحة على المدى المتوسط، طالما استمرت الحكومات في طباعة المزيد من النقود لدعم اقتصاداتها التي تعاني من الركود جرّاء جائحة كوفيد-19. ونظرًا لأنها قوى احتكارية تعمل في هياكل اقتصادية لامركزية بشكل متزايد، من المرجح أن ترى حكومات العالم استمرار مقاومة العملات المشفرة الشبيهة بالبيتكوين لهيمنتها المالية.

تعديل المشاركة
Reactions:
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

يمكنك كتابة تعليقك هنا
يرجى الإلتزام بالآداب العامة وآداب الحوار واحترام اراء الغير وعدم التعدي على الآخرين

إعلان أسفل المقال